5 min (1403 words) Read

دواعي تأسيس اتحاد اقتصادي أوثق أصبحت أشد إلحاحا في ظل تعدد التحديات الخارجية

 

تواجه أوروبا اليوم أصعب مجموعة من التحديات منذ حقبة الحرب الباردة. فقد فرض غزو روسيا لأوكرانيا، وهي أول حرب عدوان كبرى تدور رحاها على الأراضي الأوروبية منذ عام 1945، تساؤلات أساسية عن القناعات القديمة. وأحدثت الاضطرابات الجغرافية-السياسية هزة في سلاسل الإمداد، وعطلت حركة التجارة، وأماطت اللثام عن مواطن ضعف خطيرة في أمن الطاقة. وها هو التحالف عبر الأطلسي، الذي ظل يوفر الأمن على مدى الثمانين عاما الماضية، يتعرض لضغوط. وأوروبا ملتزمة بزيادة الإنفاق على الدفاع لدرء مخاطر الأعداء الخارجيين، ولكن يجب عليها أيضا حماية أنظمة الخدمات العامة والرعاية الاجتماعية التي يرتكز عليها عَقدها الاجتماعي.

ولو كان النمو الاقتصادي قويا والأموال العامة وفيرة، لأصبح التصدي لهذه التحديات أبسط كثيرا. غير أن تعافي أوروبا في أعقاب الجائحة قد فقد زخمه، في حين يؤدي ركود الإنتاجية إلى جذب آفاق النمو على المدى المتوسط نحو الانخفاض. وأصبحت البلدان تواجه ضغوطا كبيرة على الموارد العامة، مع تزايد الضغوط على الإنفاق. ويواجه المُصدِّرون تعريفات جمركية صارمة على بيع السلع لأهم أسواقهم الخارجية، أي الولايات المتحدة. وعلاوة على هذا، من المتوقع أن يتقلص عدد سكان أوروبا في سن العمل بمقدار 54 مليون نسمة بحلول نهاية هذا القرن، مما يزيد صعوبة تحقيق النمو ورفع مستويات المعيشة.

وعلى الرغم من هذا، إذا كان لنا أن نسترشد بالتاريخ، لوجدنا أن أوروبا بمقدورها تحويل المحنة إلى منحة. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، واجهت البلدان الأوروبية المهمة الجسيمة التي تمثلت في إعادة بناء اقتصاداتها، واستعادة الاستقرار السياسي، ومنع نشوب صراعات في المستقبل. وقد تصدت لتلك التحديات من خلال التكامل الاقتصادي والتعاون السياسي، طامحة بهذا إلى تحقيق حرية حركة السلع والخدمات والأفراد ورؤوس الأموال عبر الحدود. وقد انبثقت هذه التجربة التاريخية المتفردة، التي تطورت لاحقا لتصبح السوق الأوروبية الموحدة، من اعتقاد جوهري مفاده أن الروابط الاقتصادية الأقوى بين الأمم تحقق السلام والرخاء والاستقرار.

وكان لعملية إعادة الإعمار بعد الحرب دور أساسي. وقد يكون مشروع مارشال أكثر شهرة في هذا السياق، إلا أن مبادرات أخرى - مثل اتحاد المدفوعات الأوروبي في عام 1950، والجماعة الأوروبية للفحم والصلب في عام 1952 - أثبتت أنها على نفس القدر من الأهمية. فقد أرست الركائز الضرورية وعززت التعاون عبر الحدود. وبحلول عام 1957، شكلت ستة بلدان الجماعة الاقتصادية الأوروبية، واضعة بذلك القارة على مسار نحو إنشاء السوق الموحدة.

وبعد مرور ثمانين عاما، قطعت هذه السوق الموحدة أشواطا كبيرة. وها هي اليوم، وهي تضم 27 بلدا و450 مليون نسمة، تحتل موقع الصدارة في الاتحاد الأوروبي. وقد حولت الاتحاد الأوروبي إلى قاطرة اقتصادية عالمية، إذ يمثل نحو 15% من إجمالي الناتج المحلي العالمي بالقيمة الحالية للدولار الأمريكي، ولا تضاهيه سوى الولايات المتحدة والصين. ولم يتحقق هذا الرخاء على حساب قِيَمه الجوهرية أو جودة الحياة. فكثير من البلدان الأوروبية يحتل اليوم مركزا متقدما من حيث الرضا عن الحياة، والأمان في العمل، والحماية الاجتماعية، والعمر المتوقع. وقد واصلت أوروبا التأكيد بقوة على أهمية التعاون الدولي، سواء على مستوى سياسات التجارة أو المناخ، حتى في أحلك الظروف.

وبرغم ذلك، لا تزال السوق الموحدة غير مكتملة. فإمكاناتها الاقتصادية الكاملة تحدها حواجز مستمرة وأولويات وطنية في بعض القطاعات والصناعات (راجع مقال "مستقبل أوروبا مرهون بمزيد من الوحدة" في هذا العدد من مجلة التمويل والتنمية). والتحرك نحو شكل مشترك من أشكال السيادة الاقتصادية والسياسية ليس بالأمر اليسير على الإطلاق - ولا ينبغي له أن يكون. وفي الواقع، هذا هو السبب الرئيسي وراء النظر دوما إلى السوق الموحدة على أنها عمل قيد الإنجاز. فقد استُبعدت القطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية - الطاقة والتمويل والاتصالات - من التكامل التام منذ البداية. إلا أنه على نحو ما أوضحت التقارير التي أعدها مؤخرا رئيسا وزراء إيطاليا السابقان ماريو دراغي وإنريكو ليتا، أصبحت دواعي إتمام السوق الموحدة وتعميقها أشد إلحاحا في ظل تعدد التحديات الخارجية. فأوروبا بحاجة إلى مزيد من النمو وزيادة قدرة الاقتصاد على الصمود. ويمكن لاقتصاد متكامل على نحو أكبر تلبية هذين الاحتياجين.

لقد أحرز الاتحاد الأوروبي تقدما كبيرا في تحرير التجارة بين دوله الأعضاء، وإن ظل هناك عدد هائل من العقبات. ويوضح بحث أجراه صندوق النقد الدولي (2024) أن الحواجز التجارية المرتفعة داخل أوروبا تُعادل تكلفة نسبية تبلغ 44% للسلع المصنَّعة و110% للخدمات. ويتحمل هذه التكاليف المستهلكون والشركات في الاتحاد الأوروبي في شكل تراجع المنافسة، وارتفاع الأسعار، وانخفاض الإنتاجية.

ولا يزال الاتحاد الأوروبي أيضا بعيدا عن تكامل أسواق رأس المال، في ظل تراجع تدفقات رؤوس الأموال عبر الحدود بسبب استمرار حالة التشرذم على المستوى الوطني. فقد بلغ مجموع رأس المال السوقي لبورصات هذه الكتلة نحو 12 تريليون دولار في عام 2024، أي 60% من إجمالي الناتج المحلي للبلدان المشاركة. ومقابل ذلك، بلغ رأس المال السوقي لأكبر بورصتين في الولايات المتحدة مجتمعتين 60 تريليون دولار، أي أكثر من 200% من إجمالي الناتج المحلي. وضعف التنسيق على مستوى الاتحاد الأوروبي في المجالات المهمة، مثل قانون الأوراق المالية، يعرقل النمو من خلال الحيلولة دون تدفق رؤوس الأموال إلى حيث تبلغ أعلى مستويات إنتاجيتها.

وهذا أحد أسباب تأخر أوروبا عن الركب من حيث اعتماد تكنولوجيات مُعَزِّزة للإنتاجية وانخفاض مستويات إنتاجيتها. فاليوم، تقل الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج في الاتحاد الأوروبي بنحو 20% عن مستواها في الولايات المتحدة. ويعني انخفاض الإنتاجية تراجع مستويات الدخل. وحتى في أكبر الاقتصادات المتقدمة في الاتحاد الأوروبي، يقل نصيب الفرد من الدخل بنحو 30% عن المتوسط في الولايات المتحدة (راجع الرسم البياني 1).

أكبر الاقتصادات المتقدمة في الاتحاد الأوروبي، يقل نصيب الفرد من الدخل بنحو 30% عن المتوسط في الولايات المتحدة (راجع الرسم البياني 1).

الشركات منخفضة النمو

لا بد من إلقاء نظرة أعمق على فجوة الإنتاجية الواسعة في أوروبا. وقد فحص زملائي مؤخرا أداء الشركات الأوروبية القادرة على أن تصبح قاطرات للنمو الاقتصادي الكلي – أي الشركات الراسخة المتفوقة في الإنتاجية وكذلك الشركات حديثة العهد ذات النمو المرتفع (دراسة Adilbish and others 2025). وتكشف النتائج التي خلصوا إليها وجود فجوات كبيرة في الابتكار والإنتاجية مقارنة بالحدود العالمية للمجموعتين.

فالشركات الأوروبية الرائدة ليست متأخرة عن منافسيها في الولايات المتحدة فحسب، بل يتزايد تخلفها عن الركب بمرور الوقت. ويصدُق هذا الأمر على مستوى جميع القطاعات، وإن كان ينطبق على قطاع التكنولوجيا بصفة خاصة. ففي حين زادت إنتاجية شركات التكنولوجيا المدرجة في الولايات المتحدة بنحو 40% على مدى العقدين الماضيين، لم تشهد شركات التكنولوجيا الأوروبية أي تحسن تقريبا.

وقد يتمثل أحد أسباب هذا الأمر ببساطة في أن الشركات الأمريكية تبذل مزيدا من الجهد؛ فقد زادت إنفاقها على البحوث والتطوير بمقدار ثلاثة أضعاف إلى 12% من إيرادات المبيعات، وهو ما يُعادل ثلاثة أضعاف النسبة التي تخصصها الشركات الأوروبية التي ظلت قابعة عند متوسط 4% في العقود الأخيرة.

وسيبدو المستقبل أكثر إشراقا إذا كانت أوروبا تأمل في أن تحد الشركات حديثة العهد ذات النمو المرتفع من العجز في الابتكار والإنتاجية. ولكن للأسف، ليس لدى الاتحاد الأوروبي سوى بضع شركات من هذا النوع. ولهذه الشركات تأثير اقتصادي أقل كثيرا مما لدى الشركات في الولايات المتحدة، حيث تساهم الشركات الأحدث عهدا بنسبة أكبر كثيرا من توظيف العاملين.

وبعبارة أخرى، لدى الاتحاد الأوروبي عدد كبير من الشركات الصغيرة القديمة ذات النمو المنخفض. ويعمل نحو خُمس الموظفين الأوربيين في شركات متناهية الصغر تضم 10 أشخاص أو أقل، وهي نسبة تبلغ ضعف مثيلتها في الولايات المتحدة. وفي حين توظِّف الشركة الأوروبية المتوسطة التي تعمل منذ 25 عاما أو أكثر نحو 10 عاملين، توظِّف الشركات الأمريكية المماثلة 70 عاملا (الرسم البياني 2).

، توظِّف الشركات الأمريكية المماثلة 70 عاملا (الرسم البياني 2).

فما الذي يفسر هذه الفروق الشاسعة؟ يشير بحثنا إلى أسواق المستهلكين للسلع والخدمات التي لا تزال تتسم بالتشرذم في أوروبا. ولكن يوجد أيضا قصور في أسواق رأس المال والعمل، مما يزيد الحد من الحوافز التي تدفع الشركات للتوسع ويحد من قدراتها على القيام بذلك.

والأسواق المالية التي تهيمن عليها البنوك في أوروبا تفضل الحصول على ضمانات مادية لقروضها. ولكن الشركات حديثة العهد، ولا سيما في قطاع التكنولوجيا، يكون لديها بطبيعة الحال عدد أقل من الأصول المادية وعدد أكبر من الأصول غير الملموسة، مثل براءات الاختراع. والقارة بحاجة إلى أن تقوم أسواق رأس المال بتوجيه المدخرات إلى استثمارات واسعة النطاق وطويلة الأجل في أفكار خطرة، وإن كان من المحتمل أن تكون ثورية.

وبالإضافة إلى هذا، تمثل ندرة العاملين من ذوي المهارات العالية مشكلة أخرى. ويأتي هذا الأمر انعكاسا لارتفاع الحواجز أمام تنقل العمالة عبر الحدود والافتقار العام إلى رأس المال البشري اللازم للقطاعات الابتكارية. ويتفاقم هذا الوضع بسبب شيخوخة السكان في كثير من البلدان، وهو ما يمكن أن يزيد صعوبة الحصول على أفكار جديدة يتمخض عنها إنشاء شركات حديثة العهد وذات نمو مرتفع.

أوروبا بحاجة إلى مزيد من النمو وزيادة قدرة الاقتصاد على الصمود. ويمكن لاقتصاد متكامل على نحو أكبر تلبية هذين الاحتياجين."
سوق موحدة أقوى

في الوقت الراهن، على الأقل، لا تنشأ فجوة الإنتاجية في أوروبا من نقص الأفكار الابتكارية. فهي لا تزال حاضنة مهمة للابتكار في العلوم والتكنولوجيات الأساسية، وتواصل شركاتها دفع الحدود الفكرية، خاصة في مجالات مثل المستحضرات الصيدلانية والهندسة الحيوية (راجع مقال "انتباهة المبتكرين في أوروبا" في هذا العدد من مجلة التمويل والتنمية). ولكن حتى مع ذلك، يوجد اتجاه مثير للقلق يتمثل في نقل الشركات الأوروبية الابتكارية مواهبها إلى أسواق أكثر ديناميكية في مناطق أخرى، مع انتقال الشركات "الناشئة المليارية" المستقبلية التي تُقدَّر قيمتها بأكثر من مليار دولار من الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة بمعدل أسرع بمقدار 120 ضعفا من انتقالها من الولايات المتحدة إلى أوروبا، وذلك وفقا لبحث أعده ريكاردو ريس، من كلية لندن للاقتصاد.

ومن المؤكد أن أوروبا لديها مدخرات كافية متاحة لتمويل مستويات أعلى من الاستثمار. ويبلغ معدل ادخار الأسر في الاتحاد الأوروبي حوالي 15% تقريبا من إجمالي الناتج المحلي، أي حوالي ثلاثة أضعاف مثيله في الولايات المتحدة. إلا أن الأمريكيين استثمروا 4,60 دولار في الأسهم، وصناديق الاستثمار، وصناديق معاشات التقاعد أو التأمين مقابل كل دولار استثمره الأوربيون في هذه الأصول في عام 2022. وتتمثل المشكلة الأساسية في قدرة الاتحاد الأوروبي الأكثر محدودية على توجيه الأفكار ورؤوس الأموال إلى استخدامات إنتاجية داخل حدوده. وبعبارة بسيطة، أخفقت السوق الداخلية المتشرذمة في القارة الأوروبية في تحقيق قدر كبير من نمو الدخل.

ويؤكد كل هذا الحاجة الملحة لإكمال جدول الأعمال الخاص بالسوق الموحدة. وتمثل سياسات الاقتصاد الكلي السليمة، بما فيها ضمان استقرار الأسعار لتحقيق اليقين للمستثمرين والتصدي للتحديات التي تواجه الإنفاق دون إحداث اضطرابات حادة في استدامة المالية العامة، شروطا مسبقة لازمة لهذا الأمر. وبعد ذلك، يجب على البلدان تكثيف الإصلاحات في المجالات الرئيسية للسوق الموحدة.

ويجب أن يصبح خفض حواجز التجارة الداخلية، في السلع وخاصة في الخدمات، أحد الأولويات. وسيحفز هذا الأمر الشركات على إجراء البحوث والتطوير، وتنفيذ الاستثمارات الأخرى عالية المخاطر وكبيرة العائدات. ويوضح بحثنا أنه يمكن للاتحاد الأوروبي زيادة إجمالي الناتج المحلي بمقدار 7% إذا خفض الحواجز الداخلية على تجارة السلع والإنتاج متعدد الجنسيات بنسبة 10%. ويوجد مجال واسع للتحسين من خلال فتح القطاعات المحمية، وتحرير الخدمات، وتنسيق القواعد التنظيمية.

ويجب أن يُصاحب هذه الجهود تقدم نحو سوق رأس مال متكاملة، أو اتحاد للادخار والاستثمار (راجع مقال "اتحاد الادخار والاستثمار الأوروبي صعب المنال" في هذا العدد من مجلة التمويل والتنمية). ويمكن للإصلاحات بالغة الأهمية - بما فيها مراجعة النظام الاحترازي لشركات التأمين وتنسيق الإشراف على أسواق رأس المال - أن توجه المدخرات الهائلة لدى الاتحاد الأوروبي نحو التمويل بالأسهم لجميع الشركات الذي تشتد الحاجة إليه.

ويمكن للشركات حديثة العهد ذات النمو المرتفع تحقيق استفادة كبيرة من زيادة توافر رؤوس الأموال وانخفاض تكاليف التمويل – أي رؤوس الأموال التي يمكن أن تتوافر بفضل تكامل الأسواق، ولا سيما إذا اقترن ذلك بإصلاحات وطنية لإطلاق العنان للاستثمار في رأس المال المُخاطر.

وفي الوقت نفسه، يجب على البلدان توخي الحذر ألا تقوض السوق الموحدة وجميع الفرص التي تتيحها بانتهاج سياسة صناعية تفتقر إلى حسن الإعداد. ويمكن للسياسة الصناعية أن تضطلع بدور إذا صححت إخفاقات السوق - على سبيل المثال عن طريق دفع الشركات إلى أن تصبح أكثر اخضرارا أو الاستفادة من التكنولوجيات التحويلية. إلا أنه من غير المنطقي حماية الصناعات الناضجة من التحولات الهيكلية الهائلة. ومن ثم، يجب أن تستشرف أوروبا المستقبل، لا أن تنظر إلى الماضي.

إلا أنه حتى السياسة الصناعية الموجهة بدقة يمكن أن تأتي بنتائج عكسية من خلال تحويل أنماط التجارة والإنتاج بعيدا عن المجالات الراسخة التي تتمتع بمزايا تنافسية. ومن ثم، يجب على البلدان تنسيق السياسات الصناعية أو، الأفضل من ذلك، الاتفاق على مجموعة من هذه السياسات على مستوى الاتحاد الأوروبي (دراسة Hodge and others 2024).

قدرة أكبر على الصمود

من شأن وجود سوق موحدة متكاملة بشكل تام أن يُعزز أيضا قدرة أوروبا الاقتصادية على الصمود في عالم اليوم المحفوف بالمخاطر والعرضة للصدمات. فالشركات التي تخدم مزيدا من العملاء في عدد أكبر من البلدان تكون أقل تأثرا بالتقلبات الاقتصادية في موطنها. وينطبق المبدأ نفسه على محافظ الاستثمارات الشخصية حينما تنخفض الحواجز المفروضة على الأسواق المالية ويوزِّع الأفراد حيازاتهم في أنحاء الاتحاد الأوروبي. ويمكن لاقتسام المخاطر أن يحقق منافع كبيرة، غير أن تنويع الأصول لا يزال محدودا مقارنة بالوضع في الولايات المتحدة.

وبالمثل، يمكن للاتحاد الأوروبي الحد من اعتماده على واردات النفط والغاز، وحماية نفسه من تقلبات أسواق الطاقة العالمية، وخفض أسعار المستهلكين من خلال سوق للطاقة أكثر تكاملا.

ولتحقيق الاستفادة القصوى من الإصلاحات في الاتحاد الأوروبي، يجب أن تتوافق الجهود الوطنية مع الطموحات الإقليمية. ويوضح بحثنا الذي سيصدُر قريبا أن أسواق العمل ورأس المال البشري والضرائب في أمس الحاجة إلى الإصلاح من أجل تعزيز النمو. ويمكن للاقتصادات المتقدمة تحقيق أقصى استفادة من إلغاء القيود التنظيمية على أسواق المنتجات، وتعميق أسواق الائتمان ورأس المال، وتعزيز الابتكار. وفيما يتعلق بكثير من بلدان وسط أوروبا وشرقها وجنوبها، تتمثل أهم الأولويات في الاستثمار في العمالة الماهرة، والتخلص من الروتين الإداري، وتحسين الحوكمة. ومن ثم، يمكن أن تكون مكاسب النمو كبيرة.

قوة التكامل

أدت عملية التوسع في عام 2004 إلى انضمام قبرص والجمهورية التشيكية وإستونيا وهنغاريا ولاتفيا وليتوانيا ومالطة وبولندا والجمهورية السلوفاكية وسلوفينيا إلى الاتحاد الأوروبي. وبعد عقدين من الزمن، ارتفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في هذه البلدان بأكثر من 30% عما كان سيصل إليه لو لم تنضم إلى الاتحاد الأوروبي. أما في البلدان التي كانت أعضاءً بالفعل في الاتحاد الأوروبي، فقد زاد نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة 10% عما كان سيصل إليه في حالة عدم التوسع (دراسة Beyer, Li, and Weber 2025).

وتؤكد هذه القفزة في مستويات المعيشة الأثر القوي للتكامل. وتمثل مقترحات الإصلاح الحالية بداية، ولكن من الضروري وجود مزيد من الطموح. فوجود سوق موحدة أقوى يمكن أن يؤدي إلى تحسن الآفاق الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، ودعم أولويات سياساته، وتعزيز قدرته على الصمود، بما يضمن أن تظل هذه المنطقة رائدة عالميا في الابتكار والاستقرار وجودة الحياة. وهذه فرصة لا تملك أوروبا ترف إهدارها.  

ألفريد كامر هو مدير الإدارة الأوروبية في صندوق النقد الدولي.

الآراء الواردة في هذه المقالات وغيرها من المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها، ولا تعكس بالضرورة سياسة صندوق النقد الدولي.