5 min (1403 words) Read

الإصلاحات القوية حولت اليونان إلى واحد من أسرع الاقتصادات نموا في أوروبا/p>

 

بعد أن كان يُنظر إلى اليونان على أنها نقطة الضعف في الاقتصاد الأوروبي، باتت تبرز الآن باعتبارها قصة نجاح غير متوقعة. ويستند هذا التحول الملحوظ إلى معدلات نمو إيجابية تتجاوز متوسط الاتحاد الأوروبي، وانتعاش كبير في الاستثمار، وصادرات بلغت مستويات تاريخية، وانخفاض في معدلات البطالة إلى مستويات لم تُشاهَد على مدى أكثر من عقد. ولا تزال سياسة المالية العامة متسقة، حيث تحقق فوائض أولية متزايدة، كما انخفض الدين العام بنحو 55 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي، وهو من أكبر الانخفاضات التي شهدتها أوروبا على الإطلاق.

وإلى جانب مؤشرات المالية العامة والاقتصاد الكلي، يحمل هذا التحول بُعْدا نوعيا؛ فمناخ الأعمال يزداد جاذبية بالنسبة للمستثمرين، وأوضاع التمويل تحسنت، والدولة تثبت كفاءة أكبر في إدارة الاقتصاد، وبالطبع، استعادت اليونان تصنيفها الائتماني الاستثماري.

ولم ينشأ هذا الأداء الاقتصادي القوي من فراغ. بل هو نتيجة لتطبيق مزيج السياسات الصحيح: سياسات مالية عامة رشيدة لاستعادة ثقة السوق، وجهد مستمر لإصلاح نظامنا المصرفي، واستكمال للإصلاحات الهيكلية المعززة للنمو.

الأطر التنافسية

على صعيد المالية العامة، واصلنا تحسين أدائنا منذ فترة الجائحة، حيث بلغ الفائض الأولي 4,8% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2024، مما حقق فائضا في الموازنة الكلية قدره 1,3% في ذلك العام. والمهم هنا هو أن ذلك لم يتحقق من خلال التقشف الصارم، بل من خلال النمو الاقتصادي، والأهم من ذلك، ما بُذِل من جهد دؤوب لمكافحة التهرب الضريبي، والذي نقدّر أنه رفع الإيرادات بنحو 3% في العام الماضي.

أما في القطاع المصرفي، فقد أتممنا بنجاح تنقية الميزانيات العمومية وتقليص القروض المتعثرة. وبفضل هذا الإنجاز الكبير، تمكن المقرضون اليونانيون من استعادة دورهم الكامل والأساسي في تمويل الاقتصاد الحقيقي. وفي الوقت نفسه، زادت الودائع بشكل مطرد، وعززت الربحية القوية نسب كفاية رأس المال. ويمثل البيع الناجح لحصص صندوق الاستقرار المالي الهيليني في البنوك المحلية، والذي حظي باهتمام كبير من أصحاب الاستثمارات الأجنبية طويلة الأجل ذوي السمعة الطيبة، دليلا ملموسا على الثقة في النظام المصرفي اليوناني.

وفيما يخص الإصلاحات الهيكلية، خفضنا الضرائب ومساهمات الضمان الاجتماعي، مما خفف العبء عن كاهل الشركات والمستهلكين على حد سواء. وأزلنا العقبات البيروقراطية من خلال تبسيط إجراءات إصدار التراخيص، وحدثنا تشريعات العمل لتتوافق مع احتياجات الشركات والموظفين المتغيرة. وأنشأنا إطارا للحوافز من أكثر الأطر تنافسية في مجال البحث والتطوير، بما في ذلك استهلاك ما يصل إلى 315% من مصروفات البحث والتطوير. وسارت عمليات الخصخصة بوتيرة قياسية، مما أدى إلى توليد إيرادات عامة، والأهم من ذلك، أنه أتاح فرصا جديدة للاستثمار وخلق فرص العمل.

واستحدثنا إطارا للإعسار-صنّفته منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي على أنه مستوفٍ لمعايير أفضل الممارسات الدولية- وهو يساعد القطاع الخاص على التخلص من الديون المتعثرة، كما يتضح من انخفاض رصيد الدين الخاص بالقيمة المطلقة وبالنسبة لإجمالي الناتج المحلي. وتمثل إعادة هيكلة شركة Growthfund، التي تدير الأصول العامة، خطوة أخرى نحو استخدام أكفأ للموارد. وقد أُجريت إصلاحات على نطاق واسع، بما في ذلك في التحول الرقمي والعدالة والتعليم ورفع المهارات وتعليم مهارات جديدة ونظام التقاعد ومعايير الشفافية.

وبالطبع، لا يزال أمامنا طريق نقطعه. ونحن لا نقلل من شأن التحديات. فنسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي لا تزال مرتفعة في اليونان، وإن اقترن ذلك بسمات مواتية من حيث هيكل الديون وبنود أسعار الفائدة، مما يخفف من المخاطر. ورغم تراجع التضخم، فإنه لا يزال يتسم باللزوجة، لا سيما في قطاع الخدمات. ويواصل الاستثمار تحسنه، لكنه لا يزال دون متوسط الاتحاد الأوروبي، مما يبرز الحاجة إلى حشد المزيد من رأس المال. ولا تزال الإنتاجية دون متوسط الاتحاد الأوروبي، رغم تصاعدها. وينطبق الأمر ذاته على المشاركة في سوق العمل، لا سيما بين النساء. وبالطبع، يجب علينا تعزيز قدرة اقتصادنا على الصمود أمام التحديات الخارجية والتكيف معها، بما في ذلك التحول الأخضر والرقمي وتزايد التشرذم الاقتصادي العالمي.

قمنا بتنقية الميزانيات العمومية وتقليص القروض المتعثرة في القطاع المصرفي. وبفضل هذا الإنجاز الكبير، تمكن المقرضون اليونانيون من استعادة دورهم الأساسي في تمويل الاقتصاد الحقيقي".
جدول الأعمال المستقبلي

نهدف إلى ضمان تجنب أي تهديد للتقدم الذي حققناه بشق الأنفس في السنوات الأخيرة. ولهذا السبب لا نزال على التزامنا الصارم بالحصافة المالية. وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة، نتوقع الحفاظ على فوائض أولية تقارب 2,5% من إجمالي الناتج المحلي، ومن المتوقع أن تنخفض نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي بمقدار 20 نقطة مئوية إضافية بحلول عام 2028. هل هذه التوقعات مفرطة في التفاؤل؟ إذا اعتبرنا الأداء السابق مؤشرا، فالعكس تماما هو الصحيح.

ففي السنوات الأخيرة، دأب الاقتصاد اليوناني على تجاوز التوقعات، وغالبا بفارق كبير. وعلاوة على ذلك، فإن هذه التوقعات لا تأخذ في الحسبان حتى الآن الاستخدام الاستراتيجي لاحتياطياتنا النقدية الكبيرة لسداد الديون مبكرا - وهو ركن أساسي في استراتيجيتنا الفعالة للغاية في مجال إدارة الديون.

وسيظل تعزيز الامتثال الضريبي من الأولويات. وما دام ارتفاع الإيرادات العامة سيتيح الحيز المالي اللازم، تهدف الحكومة إلى تنفيذ تخفيضات مواتية للنمو في الضرائب على العمل ومؤسسات الأعمال، مما يرفع الدخول المتاحة ويعزز القدرة التنافسية.

ونحن عازمون أيضا على تكثيف جهودنا لتحويل الاقتصاد اليوناني إلى نموذج للنمو السريع والمستدام والاحتوائي. ولتحقيق ذلك، سنواصل الإصلاحات التحويلية التي تركز على الجانب الحقيقي من الاقتصاد، بما في ذلك تبسيط القواعد المنظمة للأعمال وتحسين القدرة الإدارية للدولة. ونعتزم إزالة الحواجز المتبقية أمام دخول السوق، خاصة في قطاع الخدمات، لدعم المنافسة، وتحسين الكفاءة، وتعزيز ديناميكية الأعمال.

إقامة العدل

ومن أولوياتنا الأخرى تعزيز اليقين القانوني لدى المستثمرين. فالتعجيل بإقامة العدل أمر أساسي، ونحن بصدد تنفيذ مبادرات كبرى، تشمل إصلاحات قانونية شاملة وتوسيع استخدام التكنولوجيات المتقدمة. كذلك فإن استكمال تنفيذ السجل العقاري الوطني والخطط الحضرية على مستوى المحليات والأقاليم، والتي ستحدد استخدامات الأراضي بوضوح وشفافية، سيدعم تهيئة بيئة استثمارية تتسم بقدر أكبر من قابلية التنبؤ والكفاءة.

وسنواصل تعزيز المنافسة في النظام المصرفي لضمان استفادة الأعمال والمستهلكين من خدمات مالية أفضل، وتكاليف أقل، وفرص أكبر للحصول على الائتمان. ولكن من المهم بالقدر نفسه أن نتوسع في خيارات التمويل بما يتجاوز الإقراض المصرفي التقليدي - لا سيما للمشروعات الصغيرة والمتوسطة الابتكارية. ولذا ننفذ استراتيجية شاملة لتقوية سوق رأس المال اليوناني وتشجيع نشاط رأس المال المخاطر والأسهم الخاصة. كذلك فإن الاستخدام الأمثل لأموال الاتحاد الأوروبي سيكون المفتاح لإطلاق استثمارات جديدة.

وأخيرا وليس آخرا، فإننا لا نزال ملتزمين بتدعيم بنيتنا التحتية المادية ورأس مالنا البشري. وستساعد الاستثمارات المخطط لها في مجال الطاقة المتجددة وشبكات الكهرباء على خفض تكاليف الطاقة، مما يسمح لمؤسسات الأعمال بممارسة نشاطها على نحو أكثر تنافسية. وفي الوقت نفسه، ستضمن مبادرات رفع المهارات تهيئة القوى العاملة لمتطلبات اقتصاد سريع التطور.

لقد حققت اليونان تعافيا اقتصادا لافتا ملحوظا على مدى السنوات الخمس الماضية. ولا تزال هناك إمكانية كبيرة لمزيد من التحسن. ففي ظل الوضع الحالي للاقتصاد وزخمه القوي، نتوقع أن يستمر أداء النمو متفوقا على المتوسط الأوروبي في المستقبل المنظور. وفي الوقت ذاته، تتمتع اليونان بالقدرة على الوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة الكبيرة عالية الدخل، فضلا على محدودية عدم اليقين الاقتصادي والمؤسسي. ويضاف إلى هذه الميزة الاستقرار السياسي القوي في اليونان وتوجهها الجغرافي-السياسي الواضح.

إن هذه المجموعة من السمات، إلى جانب التزامنا بجدول أعمال إصلاحي طموح، يجعل من اليونان خيارا استثماريا متزايد الجاذبية، مما سيعود بالنفع على مستويات معيشة مواطنينا ورفاهيتهم.

كونستانتينوس هاتزيداكيس يشغل منصب نائب رئيس حكومة اليونان ووزير سابق للاقتصاد والمالية.

الآراء الواردة في هذه المقالات وغيرها من المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها، ولا تعكس بالضرورة سياسة صندوق النقد الدولي.