الطريق إلى الرخاء يعتمد على دعم المجتمع الدولي للسلام باعتباره سلعة عامة عالمية
تمثل أزمة السودان التي اندلعت في شهر إبريل الماضي تذكرة صارخة بفداحة تداعيات الصراع العنيف على الاقتصاد العالمي المتكامل في العصر الحالي. وبجانب معاناة الشعب السوداني، قد يتسبب اندلاع صراع متكامل الأركان في زيادة خلخلة الاستقرار بالمنطقة. لا سيما وأن البلدان المجاورة للسودان، مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد وإثيوبيا وليبيا وجنوب السودان، تواجه بالفعل صراعات واضطرابات أهلية وحالة من انعدام الأمن الغذائي.
وقد ازدادت كثافة تلك القوى المؤثرة على مدار العقد الماضي في مختلف بلدان إفريقيا والشرق الأوسط. ورغم تباين الأطراف المتنازعة - بما فيها الجماعات المتطرفة العنيفة، والميليشيات المجتمعية، وحركات المتمردين، وشركات المرتزقة الخاصة مثل "مجموعة فاغنر" - فإنها تلحق ضررا متساويا بالشعوب والاقتصادات. وقد تصاعدت أعمال العنف المميت في دول حزام الساحل الإفريقي الواقعة جنوب الصحراء الكبرى - لا سيما في مالي وبوركينا فاسو - لتبلغ ذروتها في عام 2022 مما تسبب في نزوح قسري لما يبلغ 2,6 مليون نسمة. وفرض الصراع كذلك إغلاق آلاف المدارس ومراكز الرعاية الصحية.
وفي دراسة تحليلية سابقة لصندوق النقد الدولي يتبين أن الصراع وانعدام الأمن قد يتسببان في الانكماش الاقتصادي بنسبة تصل إلى 20% في بلدان الساحل الإفريقي. وعلى مستوى منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تعتبر 30% من البلدان متأثرة بالصراعات، تشير التقديرات الواردة في دراسة أجريت مؤخرا إلى أن معدل النمو السنوي في تلك البلدان انخفض بواقع 2,5 نقطة مئوية مقارنة بالبلدان المتمتعة بالسلام. وتتسبب هذه الاتجاهات العامة عادة في تأخير أو عرقلة الاستثمارات الحيوية في مجالات النقل والكهرباء والربط بالخدمات الرقمية التي يمكن إطلاقها من خلال جهود التكامل الإقليمي، على سبيل المثال من خلال "اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية".
وأحداث السودان ليست سوى موقف ملتهب واحد ظهر مؤخرا ضمن مشهد عالمي يطغى عليه التدهور المستمر في الهشاشة والصراع وزاد من تفاقمه الغزو الروسي لأوكرانيا. وإذا استمر هذا الوضع، فسوف ينتهي الأمر بأكثر من 60% من فقراء العالم إلى العيش في دول هشة ومتأثرة بالصراعات بحلول عام 2030. ولوضع حد لهذه الاتجاهات العامة سيكون من الضروري بذل جهود أمنية ودبلوماسية وإنسانية. ومن ثم، يتعين على المجتمع الدولي تكثيف مساعداته وصياغة حلول تمويلية تدعم السلام والاستقرار باعتبارهما من السلع العامة العالمية أي المؤسسات والآليات والنتائج التي تعود بالنفع على أكثر من مجموعة واحدة من البلدان وتصل فائدتها إلى الجيل الحالي والأجيال القادمة.
المضار العامة العالمية
تزداد هذه الصورة تعقيدا عندما نأخذ في الاعتبار العوامل التي قد تؤدي إلى تفاقم الصراع. فالبلدان المتأثرة بالصراعات ليست في مجملها هشة، ولكن هشاشة الدولة - أي ذلك المزيج من ضعف الأداء الاقتصادي، وانخفاض قدرات المؤسسات، وسوء الحوكمة، والفقر المدقع، وقلة الخدمات العامة - هي غالبا من محفزات العنف. وتعاني الدول الهشة أكثر من سواها من صعوبة التوفيق بين مطالب تحقيق الأمن والعدالة والنمو الاحتوائي. ونتيجة لذلك، يُنظر إلى حكوماتها باعتبارها عاجزة عن إيصال منافع العقد الاجتماعي بغير تحيز وأنها تفتقر للمصداقية والشرعية، مقارنة بالبلدان الأكثر استقرارا. وتؤدي هذه القوى المؤثرة غالبا إلى اندلاع القلاقل الاجتماعية وأعمال العنف.
وتتسم الدول الهشة بأنها أكثر عرضة لمخاطر الصدمات الخارجية، مثل تضخم أسعار الغذاء، والجوائح، والمخاطر المرتبطة بالمناخ. فتدفق اللاجئين بأعداد كبيرة لا تترتب عليه ضغوط قصيرة الأجل على المالية العامة فحسب، بل إنه يخلف أيضا آثارا طويلة الأجل على الاقتصاد. ومن شأن قصور القدرات المؤسسية في مجال تنسيق السياسات أن يؤدي إلى استمرار سوء توزيع العمالة في سوق العمل فيتعذر على الدول جني الثمار التي قد يجلبها الداخلون الجدد إلى السوق. والشباب هم القوة الدافعة للإبداع وريادة الأعمال في القطاع الخاص. ولكن الشباب في الدول الهشة في الغالب عاطلون عن العمل أو غير متعلمين أو ينقصهم التدريب. ويسري هذا الأمر بصفة خاصة على الإناث، اللاتي تتعرضن كذلك للعنف القائم على نوع الجنس.
ومن ثم يتعين على البلدان الأشد عرضة للمخاطر التحرك لمواجهة الأزمات المتداخلة التي تقيد قدرتها على التكيف المحملة من الأساس بأعباء تفوق طاقتها. وهي تعاني بالفعل من قدرتها المحدودة على الصمود في مواجهة الاختبارات الجديدة التي تخوضها. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن تؤدي آثار تغير المناخ المتشابكة في غياب إجراءات التكيف إلى زيادة تفاقم محركات الهشاشة.
وعندما تفشل الدول، فإن الآثار التعاقبية تمتد إلى كل مكان. فالصراع وهشاشة الدولة هما من المضار العامة العالمية، أو نقيض السلع العامة العالمية، نظرا لإضرارهما بالعديد من مجموعات البلدان عبر الأجيال المتعاقبة.
ويمكن اعتبار الهشاشة والصراع والتداعيات ذات الصلة من المضار "غير القابلة للاستبعاد"، حسب مصطلحات الاقتصاديين، وبعبارة أخرى أن جميع سكان البلد المتأثر سوف يعانون من العواقب المباشرة أو غير المباشرة. ويمكن اعتبارها "غير تنافسية" أيضا، أي عند وقوع دولة ما رهينة للهشاشة أو دخولها في دائرة الصراع، فإن ذلك لا يحول دون حدوث الأمر ذاته لغيرها. ومثل هذا الانتقال للعدوى هو ما يحدث في العادة.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة في العام الجاري إلى ضرورة توفير مساعدات إنسانية بقيمة قدرها 51 مليار دولار لدعم 339 مليون نسمة من سكان العالم المتأثرين بالصراع والكوارث الطبيعية. ويرتبط مصيرهم ارتباطا وثيقا بمصير سكان البلدان الأكثر رخاء. ولتغيير المسار، لا بد أن نستخلص الدروس من الماضي ونقر بأن الاتجاهات العامة العالمية المتعلقة بالهشاشة والصراع تستوجب منا التواضع والواقعية. وعندئذ يتعين علينا البحث عن أكثر السبل فعالية لتعزيز السلام والاستقرار باعتبارهما من السلع العامة العالمية.
جدول أعمال السلام والاستقرار
الصلابة في مواجهة الجوائح، وحماية البيئة، وضمان الاستقرار المالي العالمي هي من السلع العامة العالمية، ولكن السلام والاستقرار يشغلان موقع الصدارة منها. وعندما تسود الهشاشة والصراع، تعجز الحكومات والمنظمات الدولية والقطاع الخاص والمواطنون عن إحراز تقدم نحو تحقيق الأهداف المشتركة. فالصراعات تدفع إلى التشرذم وتتسبب في تحول مسار التجارة وتدفقات رؤوس الأموال والهجرة، كما تتسبب في إضعاف التعاون بين البلدان.
ويتحمل قادة البلدان والحكومات المسؤولية الأساسية في ضمان عدم استسلام الدول والمجتمعات للهشاشة والصراع. وفي الغالب، تضطلع الأطراف الفاعلة المعنية بالسلام والعمل الإنساني بدور رائد في هذين المجالين. غير أن الوقاية من الصراع وتحقيق الاستقرار طويل الأجل لن تتحقق لهما الاستدامة بدون مشاركة داعمة وطويلة الأمد من جانب المؤسسات المالية الدولية. وتتمتع المنظمات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما من المؤسسات المالية الدولية بمركز فريد يؤهلها للتعامل مع الأبعاد الاقتصادية للهشاشة والصراع. ولأنه لا يوجد بلد محصن من المضار العامة العالمية، فإن الأمر يتطلب مزيجا من القوة الجامعة العالمية، والتحليلات عالية الجودة، والتمويل واسع النطاق حتى يمكن معالجة الأسباب الجذرية التي تتعلق في الغالب بالعوامل الاقتصادية، والاقتصاد السياسي، والحوكمة.
فما هي إذن أنواع التدخلات التي قد تساهم في تحقيق السلام باعتباره سلعة عامة عالمية؟ الصراعات في الزمن الحالي تمتد إلى 30 سنة في المتوسط - وهي ضعف المدة المسجلة خلال التسعينات - لأن التسويات التي يتم التوصل إليها من خلال المفاوضات تعجز غالبا عن معالجة الأسباب الجذرية. لذا ينبغي أن تركز التدخلات أولا على البرامج والمشروعات الوقائية التي تساهم في تقوية المؤسسات، والاقتصادات، والمجتمعات المحلية. فالبرامج التقليدية المعنية بالتنمية وتخفيف حدة الفقر ليست كافية في الأوضاع التي يترسخ فيها استبعاد نسبة كبيرة من السكان من فرص الوصول إلى السلطة والفرص الاقتصادية والخدمات الأمنية.
وينبغي أن تركز المشورة بشأن السياسات والبرامج الإنمائية على المساهمة في توفير الخدمات العامة كالرعاية الصحية والتعليم للمناطق المتأخرة عن اللحاق بالركب. وسيؤدي ذلك الى معالجة المظالم طويلة الأمد التي تزيد من انعدام الثقة في الدولة. ومن شأن إجراء تغييرات في نظم الحوكمة أن يساعد في إعادة بناء الثقة وتعبئة الإيرادات المحلية عن طريق تحسين إدارة الموارد الطبيعية والتأكد من أن الموارد العامة تعود بالنفع على معظم السكان، وليس على قلة فقط من أعضاء جماعات النخبة.
وعندما تزداد مخاطر الصراع، يمكن لبرامج الحماية الاجتماعية الموجهة للمستحقين وآثار السياسات الاقتصادية على فئات السكان الضعيفة أن يكون لها دور في درء خطر القلاقل الاجتماعية. وينبغي تقاسم المكاسب الاقتصادية على نطاق واسع لتجنب سياسة الانقسام وعدم المساواة وتعزيز مصداقية صناع السياسات. ويسري هذا الأمر بصفة خاصة على الصراعات الدائرة داخل البلد الواحد، حيث قد تستغرق الشرارات الأولى عدة سنوات قبل أن تشتعل أعمال العنف، وحيث قد تكون هناك فرصة للتحرك برؤية بعيدة النظر. وبإمكان المنظمات المالية الدولية الاضطلاع بدور رئيسي للمساعدة في تصميم البرامج الكفيلة بمعالجة الأسباب الأساسية للهشاشة والمساهمة في تخفيف وطأة الأزمات الناشئة.
ولدى اندلاع أعمال عنف واسعة النطاق، ينبغي أن تواصل المؤسسات المالية الدولية انخراطها في جهود البلدان لمنع انهيار الدولة والحد من العواقب الاقتصادية للصراع. وبإمكان مثل هذه المؤسسات دعم تقديم الخدمات الأساسية للفئات الأكثر عرضة للمخاطر وتوفير مساعدات تنمية القدرات الفنية منخفضة المستوى بما يكفل استمرار عمل البنوك المركزية ونظم الدفع. فهذه النظم ضرورية لتوجيه معونات هيئات العمل الإنساني واستمرار عمل القطاع الخاص، الذي قد يتسم بالصلابة بصفة خاصة أثناء الأزمات.
وماذا عن البلدان المتأثرة بتداعيات الصراع، مثل تدفق اللاجئين؟ ثلاثة أرباع البلدان المضيفة لأعداد كبيرة من اللاجئين هي بلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل. وقد خلُصَت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى بلوغ أعداد النازحين قسرا حول العالم مستوى قياسي قدره 108 ملايين نسمة في نهاية 2022. وبات من الضروري أن تسعى الحكومات جاهدة إلى التعامل مع احتياجات شعوبها وإيجاد حلول تكفل فعالية اندماج القادمين الجدد. وهي بذلك توفر سلعة عامة عالمية في صورة مختلفة. غير أن تكلفة هذه الجهود مرتفعة، وعلى مجتمع المانحين الدوليين المشاركة في تحمل التكاليف. وتبين الدروس المستخلصة من الابتكارات الأخيرة كيفية توجيه الدعم إلى الدولة والقطاع الخاص. وخلق الوظائف هو من أكثر الوسائل فعالية لتحقيق الاندماج الاجتماعي.
التمويل الحافز
الآليات المحتملة لدعم السلام والاستقرار باعتبارهما من السلع العامة العالمية يمكن أن تبني على الابتكارات السابقة المصممة لمساعدة البلدان متوسطة الدخل في التعامل مع قضية اللاجئين. وخير مثال على ذلك "الآلية العالمية للتمويل الميسر" (Global Concessional Financing Facility (GCFF))، التي أنشئت في عام 2016 لمساعدة الأردن ولبنان في التعامل مع طفرة اللاجئين السوريين بدعم من كندا والدانمرك وألمانيا واليابان وهولندا والنرويج والسويد والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فمن خلال الاستعانة بالمنح المقدمة من الجهات المانحة، تمكنت الآلية العالمية للتمويل الميسر من خفض تكاليف الاقتراض لهذين البلدين متوسطي الدخل. فمقابل كل دولار من منح الجهات المانحة، تم توفير قروض ميسرة بواقع 7 دولارات.
الآلية العالمية للتمويل الميسر (GCFF)
تهدف الآلية العالمية للتمويل الميسر التي أطلقها البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة والبنك الإسلامي للتنمية في عام 2016 إلى دعم البلدان متوسطة الدخل التي تستقبل اللاجئين. وتوفر التمويل بشروط ميسرة وسبل التنسيق المتطورة لمشروعات التنمية التي تعالج آثار تدفق اللاجئين. وتستخدم هذه الآلية المنح المقدمة من الجهات المانحة لتخفيض أسعار الفائدة على قروض بنوك التنمية متعددة الأطراف إلى مستويات ميسرة من أجل تنفيذ المشروعات التي تعود بالنفع على اللاجئين والمجتمعات المضيفة على السواء. وقد وفرت حتى الآن ائتمانا ميسرا بمبلغ 800 مليون دولار، أتاح بدوره الاستفادة من تمويل بقيمة تقارب 5,5 مليار دولار لدعم اللاجئين والمجتمعات المضيفة.
وتتردد البلدان غالبا في الاقتراض وتحمل الديون من أجل اللاجئين. وبالتالي، فإن خفض تكلفة القروض يمكن أن يساعد في التقليل من هذا التردد. ومنذ نشأة الآلية العالمية للتمويل الميسر، أفادت كولومبيا وإكوادور أيضا من مواردها في التعامل مع أوضاع الهجرة القسرية من فنزويلا. وأظهرت هذه الآلية قدرتها على التكيف من خلال تقديم الدعم الفوري لمولدوفا لدى استقبالها اللاجئين من أوكرانيا. واكتسبت في الآونة الأخيرة أهمية متزايدة مع زيادة عدد البلدان متوسطة الدخل التي تتعامل مع آثار الصراعات. ويمكن توسيع نطاقها ليشمل تمويل الأنشطة الوقائية كالبرامج الإنمائية وإدخال التغييرات على السياسات التي تحد من مخاطر الهشاشة والصراع.
وتتسم "الآلية العالمية للتمويل الميسر" بسمتين رئيسيتين، هما التمويل الميسر للبلدان متوسطة الدخل التي توفر سلعة عامة عالمية، والدور الحافز لاستخدام المنح في الحصول على سبعة أضعاف حجمها من القروض منخفضة التكلفة. غير أن هناك ثلاثة جوانب أخرى لهذه الآلية تقدم دروسا مهمة يمكن الاسترشاد بها لتشجيع توفير السلع العامة العالمية.
أولا، تسمح الآلية العالمية للتمويل الميسر بسد الفجوة بين المساعدة الإنسانية والإنمائية. وثانيا، تهدف هذه الآلية إلى تعزيز صلابة البلدان المضيفة للاجئين، ودعم المجتمعات المضيفة وليس اللاجئين فقط. فعلى سبيل المثال، تتيح مشاركة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في جهود البلدان فرصة لإجراء المزيد من المراجعات المتعمقة للسياسات مثل الحق في العمل أو الحصول على الخدمات. وثالثا، تنشئ هذه الآلية منصة لبنوك التنمية - مثل البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير والبنك الإسلامي للتنمية - تسمح لها بتعزيز التنسيق على المستوى القُطْري.
وإلى جانب توفير آليات التمويل المبتكرة، يجب أن يكون حجم التمويل متناسبا مع احتياجات البلدان المتأثرة. ففي عام 2016، تعرض العراق لأزمة مزدوجة تمثلت في هبوط أسعار النفط وارتفاع تكاليف الخدمات الأمنية لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش). وبالاستفادة من ضمانات المانحين التي بلغت 500 مليون دولار وقدمتها المملكة المتحدة وكندا تمكن العراق من الحصول على قرض من البنك الدولي بمبلغ 1,5 مليار دولار. وفي العام الجاري، تم استخدام الضمانات التمويلية المقدمة من مجموعة السبعة والاتحاد الأوروبي وجهات مانحة أخرى لتوفير الدعم من صندوق النقد الدولي لأوكرانيا لمعالجة مشكلات تمويل ميزان المدفوعات واستعادة استمرارية الوضع الخارجي في أعقاب الغزو الروسي. وبينما تمثل هذه الضمانات طريقة فعالة لزيادة التمويل المتاح للبلدان التي توفر سلعة عامة عالمية، فإن الضمانات التي تتيح استثمار القطاع الخاص في الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات هي أيضا مهمة. ولننظر مثلا في ضمانات شهر يناير 2023 للصومال التي قدمتها "الوكالة الدولية لضمان الاستثمار" التابعة للبنك الدولي بغية تشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة.
المسار في المرحلة القادمة: مضاعفة الجهود المتعلقة بالوقاية
إن ما يخلفه العنف من آثار على الرفاهية الإنسانية والاقتصادية لا يقتصر على الدول الهشة منخفضة الدخل. فقد خَلُصت دراسة أعدها البنك الدولي مؤخرا إلى أن الصراعات كانت أكثر حدة في البلدان متوسطة الدخل، لا سيما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فالعراق وليبيا وسوريا - وقد عانت جميعها من الحروب الأهلية واسعة النطاق - كانت بلدانا متوسطة الدخل قبل اندلاع أعمال العنف. ولكن العنف تسبب في تعرضها، بجانب الخسائر في الأرواح، إلى نوبات ركود عميق، وارتفاع معدلات التضخم، وإرباك مسارات التجارة، وتدهور أوضاع المالية العامة. وهذه تحديات جسيمة تتطلب اضطلاع البلدان بدورها القيادي بالإضافة إلى تكثيف الدعم من المجتمع الدولي، خاصة وأن العديد من البلدان المعرضة للمخاطر مهددة أيضا باحتمال الدخول في حالة المديونية الحرجة. ومن شأن إدراج السلام والاستقرار في مصاف السلع العامة العالمية أن يساهم في الحد من إمكانية وقوع مثل تلك المآسي.
وعلى المنظمات المالية الدولية، تمشيا مع المهام المنوطة بها، وضع السلام والاستقرار في صدارة جدول أعمال السلع العامة العالمية عن طريق تحفيز ما يلي:
· تكثيف المساعدة من المجتمع الدولي مع التركيز بقوة على الوقاية: في العام الماضي، قام البنك الإفريقي للتنمية بتحديث استراتيجيته المعنية بالدول الهشة، كما قام بنك الاستثمار الأوروبي باعتماد استراتيجيته الأولى في هذا الشأن. واتخذ البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي خطوات مماثلة منذ عام 2020. وتهدف تلك الاستراتيجيات إلى صياغة كيفية انخراط المؤسسات المالية الدولية وأنشطتها في مظاهر الهشاشة والصراع حسب ظروف كل بلد على حدة. وبالمثل، تركز استراتيجية صندوق النقد الدولي على دعم الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات بغية تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتعزيز الصلابة، وتشجيع النمو الاحتوائي. وتستخدم هذه المبادئ أيضا في إرشاد مناهج عمل الجهات المانحة التي تهدف إلى تقوية إمكانات المشاركة في عمليات بناء السلام والوقاية من الصراع العنيف قبل اندلاعه، ومن هذه المناهج على سبيل المثال قانون الهشاشة العالمية الأمريكي. ويجب صياغة الإصلاحات الاقتصادية والسياسات الإنمائية على النحو الذي يكفل المساعدة في الحد من مخاطر الهشاشة والصراع.
· زيادة التمويل الميسر: التزم صندوق النقد الدولي منذ بدء الجائحة بمبلغ قدره 39 مليار دولار في هيئة تمويل لعدد 24 بلدا من البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات. ويعمل حاليا على التأكد من أن الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر ممول بالقدر الكافي لمساعدة البلدان منخفضة الدخل التي يتأثر الكثير منها بالهشاشة والصراع. ودعم مثل تلك البلدان سيتطلب أيضا توفير منح مع حوافز للوقاية. ويمكن توفير المزيد من الآليات المبتكرة في هذا المجال - بالاعتماد على الدروس المستخلصة من المبادرات مثل "الآلية العالمية للتمويل الميسر".
· تشكيل ائتلاف واسع النطاق من الأطراف الفاعلة المعنية بالأعمال الإنسانية والتنمية والسلام: تبلورت مثل هذه الجهود في سياق التصدي لأزمة جائحة كوفيد، والتعامل مع بداية ظواهر تغير المناخ، والتحرك لمواجهة النزوح القسري. ولكن الحاجة إليها الآن أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى لضمان اصطفاف البرامج من أجل تحقيق السلام والاستقرار.
وإلى جانب احتياج الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات للمساعدة الدبلوماسية والأمنية والإنسانية، فهي بحاجة أيضا للدعم المكثف بتكلفة منخفضة، مع تصميم البرامج الاقتصادية والمشورة بشأن السياسات على نحو يكفل لها الوقاية وزيادة الصلابة. ويمثل دعم الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات -حيث سيزداد تركز غالبية السكان الذين يعانون من الفقر المدقع في المستقبل – وتشجيع جدول أعمال للسلع العامة العالمية عاملين حيويين يدعم كل منهما الآخر. فوضع أساس دائم للنمو والحد من الفقر دعما للدول الهشة والمتأثرة بالصراعات هو السلعة العامة العالمية بحق.
الآراء الواردة في هذه المقالات وغيرها من المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها، ولا تعكس بالضرورة سياسة صندوق النقد الدولي.
References:
Fair, Ray C. 2018. “Presidential and Congressional Vote-Share Equations: November 2018 Update.” Yale Department of Economics Paper, Yale University, New Haven, CT.
Goodman, Peter S., Katie Thomas, Sui-Lee Wee, and Jeffrey Gettleman. 2010. “A New Front for Nationalism: The Global Battle against a Virus.” New York Times, April 10.