5 min (1403 words) Read

تنزيل ملف PDF

الرموز غير القابلة للاستبدال فتحت أبواب عالم جديد قد يكون مربحا للفنانين في الاقتصادات النامية

ريتش أليلا انقلبت حياته العملية رأسا على عقب من جراء الجائحة، على غرار عدد لا يحصى من الفنانين الآخرين. وسرعان ما نضب دخل هذا المصور الفوتوغرافي المقيم في نيروبي خلال فترة الإغلاق الجزئي الذي فرضته كينيا في عام 2020. وحاول الاستعانة ببدائل - التسويق بالعمولة ومقاطع الفيديو على موقع "يوتيوب" - فلم يحالفه النجاح في أي منها. ثم عرَّفه أحد الأصدقاء على "الرموز المشفرة غير القابلة للاستبدال" (NFTs)، التي وصفها أليلا قائلا "لقد أحدثت تحولا كاملا في مسار حياتي؛ إذ منحتني حرية الإبداع من جديد دون الحاجة إلى التفكير المستمر في إنتاج أعمال فنية للحصول على المال وتسديد الفواتير".

وعلى عكس النقود المادية والعملات المشفرة، فإن الرموز غير القابلة للاستبدال لا يمكن إحلالها. فهي كالمقتنيات لدى الأفراد الحقيقيين من هواة جمع الأعمال الفنية ومقاطع الفيديو والمقطوعات الموسيقية – إلا أنها رقمية. وقد اكتسحت هذه الرموز عالم الفنون والمقتنيات. وأصبح الآن بمقدور مليونيرات العملات المشفرة الذين يملكون رصيدا من "الإيثيريوم" يستطيعون إنفاقه أن يستثمروا مباشرةً في هذه الرموز غير القابلة للاستبدال، مع الاحتفاظ بأموالهم داخل المنظومة البيئية للعملات المشفرة. وقد أسهمت في هذه الطفرة سرعةُ ارتفاع الأسعار وإمكانات تحقيق عائد كبير.

RICH ALLELA, A PHOTOGRAPHER BASED IN NAIROBI, HAS TURNED TO NFTS AS A SOURCE OF INCOME. (PHOTO: COURTESY OF RICH ALLELA)

أوسيناتشي، فنان العملات الرقمية الأكثر تحقيقا للإيرادات في نيجيريا، كان من أوائل الأفارقة الذين حققوا نجاحا كبيرا في فضاء الفنون الرقمية.

وقد بلغ حجم تداول الرموز غير القابلة للاستبدال 17,6 مليار دولار في العام الماضي، طبقا لتقرير أصدرته شركة Nonfungible.com المتخصصة في بيانات الرموز غير القابلة للاستبدال. ويتجاوز هذا الرقم 40 مليار دولار حسب تقدير شركة Chainalysis.

وقد تصل هذه الأسعار إلى مستويات مدهشة. ففي العام الماضي، بيع رمز من مجموعة "كريبتو بانكس (CryptoPunks) الصادرة عن شركة Larva Labs – وهي مجموعة تضم 10 آلاف شخصية "بانك" غير متكررة ابتكرها وأنتجها اثنان من خبراء التكنولوجيا المبدعين - بمبلغ ضخم قدره 23,7 مليون دولار إلى الرئيس التنفيذي لشركة Chain، وهي إحدى شركات التكنولوجيا القائمة على تقنية سلسلة الكتل (البلوك تشين). وفي البداية، كان يمكن لأي شخص لديه محفظة إيثيريوم رقمية أن يحصل مجانا على مجموعة "كريبتو بانكس" التي تُنسَب إليها عادةً بداية الشغف بالرموز غير القابلة للاستبدال. وبعد أربعة أعوام فقط، أصبحت قيمة أرخص رمز من هذه المجموعة 60,95 وحدة من عملة الإيثيريوم (حوالي 128 ألف دولار في 14 مايو).

غير أنه بالنسبة للمبدعين من أمثال أليلا، يرجع تزايد الإقبال على الرموز غير القابلة للاستبدال إلى إسهامها في حل مشكلة قديمة، ألا وهي كيفية إضفاء الصفة النقدية على الأعمال الفنية الرقمية. وبالنسبة للفنانين والمصورين الفوتوغرافيين وصانعي الرسوم المتحركة وغيرهم، بدأت الأبواب تُفتح على فرص ربما تكون مربحة - لا سيما في الاقتصادات النامية، حيث كان صناع المحتوى يواجهون في السابق مصاعب في التسويق والبيع في سوق الفنون التقليدية التي تبلغ قيمة معاملاتها عدة مليارات من الدولارات.

ثورة في عالم الفن

حين يقوم شخص بإنشاء أو "سك" رمز غير قابل للاستبدال، فإنه ينفذ شفرة مخَزَّنة في عقود ذكية تحدد الملكية من خلال أداة تعريف فريدة وبيانات وصفية متفردة. ونظرا لأن المعلومات تُسَجَّل في "سلسلة الكتل" - وهي دفتر حسابات رقمي موزع عمومي – فمن السهل التحقق من الملكية. وبالتالي، فرغم أن الرمز غير القابل للاستبدال يمكن نسخه أو تزويره، فإنه يتعذر نسخ أو تزوير ملكية البيانات التعريفية المرتبطة بالعمل المعني. وهذا مفهوم يكتسب أهمية جذرية.

وقبل ظهور تكنولوجيا سلسلة الكتل، كان الفنانون الرقميون يكافحون لإثبات أنهم المبدعون الأصليون للأعمال الفنية. وقد تغير هذا الوضع مع ظهور الرموز غير القابلة للاستبدال، إذ أحدثت تغييرا شاملا في نموذج أعمال المعارض التجارية التي عادة ما كانت تحصل على نصيب الأسد من أرباح سوق الفن. فالفنانون يتاجرون الآن بشكل مباشر على شبكة الإنترنت، عادة من خلال أسواق مثل OpenSea أو Nifty Gateway، دون الحاجة إلى وسيط. وبدلا من التضحية بنسبة كبيرة تتراوح بين 40% و50% يحصل عليها مالك المعرض، يدفع الفنانون رسم معاملة بسيطا.

ومن الأهمية بمكان أن ما يسمى "التقليب" أصبح ظاهرة واسعة الانتشار، على النقيض مما يحدث في عالم الفنون التقليدي. فمن خلال قيام المعارض الفنية بعملية تحقق من جامعي المقتنيات والوسطاء، يُحال دون "تقليب" الأعمال الفنية الذي يمثل ممارسة مرفوضة تماما في هذا القطاع. أما الرموز غير القابلة للاستبدال، فيستطيع أي شخص شراءها، غالبا دون الكشف عن هويته، مما يشجع المستثمرين على المسارعة بإعادة بيعها لتحقيق الربح بدلا من الاحتفاظ بها على نحو ما يفعل جامعو المقتنيات الحقيقيون.

ولا يعتقد أوسيناتشي، الفنان الرقمي الأكثر تحقيقاً للإيرادات في نيجيريا والذي يبدع أعماله باستخدام برنامج Microsoft Word، أن الأمر بهذا السوء؛ إذ يقول إنه "في عالم الفن التقليدي، غالبا ما يكون الفنان على غير دراية بأن ملكية العمل قد تغيرت أصلا. أما في فضاء الرموز غير القابلة للاستبدال، فتحصل على عوائدك فورا في الوقت الذي تتم فيه عمليات إعادة البيع والتقليب".

والرموز غير القابلة للاستبدال تمَكِّن الفنانين من الحصول على نصيب من أي مبيعات مستقبلية، مما يتيح لهم درجة من الأمن المالي لا يحظى بها معظم الفنانين التقليديين. فعندما يبيع الفنانون أعمالا باستخدام تقنية سلسلة الكتل، يوقعون مع المشتري عقدا ذاتي التنفيذ يضمن لهم العائد – الذي يتراوح في الغالب بين 10% و30%. ويقول أوسيناتشي "إنه مبلغ كبير حقا" بالنسبة للفنانين. وحتى عند الوفاة، إذا كان يحق لأحد الأقارب الوصول إلى محفظتك المشفرة، فإن بإمكانه الحصول على العائد الذي تدره أعمالك".

الرموز غير القابلة للاستبدال تمَكِّن الفنانين من الحصول على نصيب من أي مبيعات مستقبلية، مما يتيح لهم درجة من الأمن المالي لا يحظى بها معظم الفنانين التقليديين.

غير أن الرموز غير القابلة للاستبدال لا تخلو من التحديات. فالعملات المشفرة أداؤها البيئي مزرٍ، ناهيك عن استشراء الممارسات الاحتيالية باستخدامها. والممارسة الأسوأ سمعة في هذا الصدد هي ما يسمى "سحب البساط"، حيث يسارع منشئو الرمز بسحب الأموال بعد إطلاق ما يبدو أنه مشروع حقيقي لعملات مشفرة، ثم يلوذون بالفرار ومعهم أموال المستثمرين. وطبقاً لتقرير صادر عن شركة Chainalysis، فقد خسر مستثمرو العملات المشفرة ما يزيد على 2,8 مليار دولار من جراء عمليات "سحب البساط" في العام الماضي. وتشكل الجريمة السيبرانية خطرا حقيقيا أيضا، بدءا من الاستيلاء على الحسابات وانتهاءً بالأسواق الوهمية.

وقد ساور أليلا القلق بشأن النواحي الأمنية حينما صاغ أول أعماله، وهو يحث من يفكرون في دخول هذا العالم على استكشافه بأنفسهم والبحث عن مجتمع مشفر. ويَعتقد أن عدد الفنانين الأفارقة لا يزال ضئيلا في عالم الرموز غير القابلة للاستبدال – نظرا للعائق الذي يمثله طابعها المعقد، والمصاعب التي تواجه اكتساب المتابعين، ورسوم الغاز (تكلفة المعاملة على سلسلة الكتل). غير أنه لا يزال متفائلا وتحدوه طموحات كبيرة للمستقبل. وبالإضافة إلى تحويل أعماله إلى صيغة رقمية، فهو يدير حالياً شركة تعمل مع 157 فنانا في مختلف أنحاء إفريقيا من أجل "إحداث ثورة في الفضاء الرقمي الإفريقي" على حد تعبيره. ويقول أيضا: "نحن نتطلع إلى تحقيق عائد يتراوح بين مليونين و5 ملايين دولار من مبيعات هذا العام، فقط لكي نثبت للناس أنه أمر ممكن".

أناليسا بالا هي مسؤول أول لشؤون التواصل في إدارة التواصل بصندوق النقد الدولي.

الآراء الواردة في هذه المقالات وغيرها من المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها، ولا تعكس بالضرورة سياسة صندوق النقد الدولي.