تواجه منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى واقعا بيئيا أليما. فقد ارتفعت درجات الحرارة بسرعة بلغت ضعف المتوسط العالمي، وازدادت ندرة هطول الأمطار وتراجعت إمكانية التنبؤ بها. وتقع الآثار على الدول الهشة أكثر من غيرها كما أن هناك احتمالات بتفاقم الصراعات. ومن المتوقع أن الآثار السلبية لذلك على الشعوب والاقتصادات سوف تزداد سوءا.
ويوفر مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ أو *COP28، الذي يُعقد هذا الأسبوع، منتدى لمناقشة السياسات اللازمة لتجنب حدوث مزيد من التغير المناخي المربك. ويأتي انعقاده في وقت حيوي: فيشير تحليل أجريناه حديثا إلى أن خفض الانبعاثات في ظل الالتزامات العالمية الراهنة لن يتجاوز 11% بحلول نهاية هذا العقد، أي أقل بكثير من النسبة اللازمة التي تتراوح بين 25% و50% لتحقيق أهداف "اتفاقية باريس". وجميع البلدان يجب أن تبذل جهودا أكبر.
تأثير مدمر واضطراب اقتصادي
من الفيضانات المدمرة في ليبيا وباكستان إلى الجفاف في الصومال، يتضح التأثير بعيد المدى لتغير المناخ. وبدأت درجات الحرارة غير المسبوقة وسط موجات القيظ تصبح وضعا جديدا معتادا، كما أن موجات الجفاف تُعَرِّضُ الأراضي الزراعية للظمأ والأنهار للنضوب، والرياح العاتية تهز أرجاء المناطق الساحلية.
وإضافة إلى الخسائر البشرية، فإن لتغير المناخ تكاليف اقتصادية واجتماعية باهظة. وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، أدت الأنماط المتغيرة لدرجات الحرارة وسقوط الأمطار إلى تآكل متوسط الدخل الفردي وإحداث تغيير كبير في التكوين القطاعي للناتج والوظائف. وبينما نرى هذا النمط آخذا في الظهور في كل أنحاء العالم، إلا أنه يصدُق بصفة خاصة على منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
وتبين من دراسة أجراها صندوق النقد الدولي مؤخرا أن الاضطرابات الاقتصادية الأساسية الناجمة عن تغير المناخ لا تهدد الأمن الغذائي فحسب وإنما هي أيضا تضعف الصحة العامة، مع ما لها من تأثير تعاقبي على الفقر وعدم المساواة والنزوح والاستقرار السياسي وحتى الصراعات. وكانت الكوارث المناخية فيما مضى قد أفضت إلى خسائر دائمة من تراجع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 5,5% في آسيا الوسطى و1,1% في اﻟﺸﺮق الأوسط وﺷﻤﺎل إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ. ولن نشهد إلا زيادة في معدل تكرار هذه الكوارث.
وهذه الآثار المناخية واضحة بصفة خاصة في الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، والتي تزيد معاناتها من خسائر الناتج بمقدار أربعة أضعاف في أعقاب الصدمات الجوية المرتبطة بتغير المناخ، مما يعقد حالة الهشاشة التي تعيشها بالفعل.
وتبين أزمات النزوح بسبب المناخ، مثلما هو الحال في الصومال، العواقب المدمرة والخسائر الإنسانية التي يسببها تغير المناخ، ولا سيما في البلدان والمناطق الضعيفة. وتغير المناخ يمكن أن يجعل الصراعات فتاكة بشكل أكبر.
أولويات السياسات
لا بد من اتخاذ إجراءات لمواجهة تغير المناخ في بدايته. وبالتالي، يجب على الحكومات في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أن تكثف أهدافها للتكيف مع تغير المناخ وخفض مساهمتها في الاحترار العالمي على حد سواء. ووفق أحدث دراسات أجراها صندوق النقد الدولي عن التكيف وتخفيف الآثار، يتعين استثمار ما يصل إلى 4% من إجمالي الناتج المحلي سنويا لتعزيز الصمود في مواجهة تغير المناخ بالقدر الكافي وتحقيق أهداف خفض الانبعاثات بحلول 2030.
ووسط أجواء ارتفاع تكاليف الاقتراض والقيود الفعلية على صلاحيات الإنفاق الحكومي، يكتسب جذب مزيد من التمويل الخاص أهمية بالغة في سد الفجوات التمويلية. ويمكن كذلك المساعدة على تخفيف أعباء التمويل وإرسال إشارات أوضح للمستثمرين باتخاذ تدابير مثل التعجيل بإصلاح دعم الوقود وضرائب الكربون، وغيرها من القواعد التنظيمية المتعلقة بالمناخ.
والأنباء السارة هي أن هناك الكثير من البلدان في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى التي تتخذ بالفعل خطوات تهدف إلى تخفيف الآثار المدمرة لتغير المناخ. فعلى سبيل المثال، قام كل من المغرب والأردن وتونس بتحسين ممارسات إدارة المياه، وهو ما يساعد على تعزيز صلابتها في خضم موجات الجفاف المطولة.
وتعد البلدان العدة كذلك من أجل احتواء بصمتها الكربونية، بدءا من إصلاحات دعم الوقود الأحفوري في الأردن وحتى مشروعات الطاقة الشمسية في الإمارات العربية المتحدة وقطر. ويلقي بحث أجراه صندوق النقد الدولي الضوء على سياسات المالية العامة التي يمكن أن تساعد البلدان في المنطقة على الوفاء بتعهداتها لتخفيف آثار تغير المناخ عن طريق تخفيض انبعاثات غاز الاحتباس الحراري للفرد بما يصل إلى 7% بحلول عام 2030 والتعجيل بتنفيذ السياسات للوصول إلى انبعاثات صفرية صافية بحلول عام 2050.
ومع ذلك، هناك حاجة إلى إجراء مناخي أكثر طموحا بكثير في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ويجب توسيع سياسات التكيف وتخفيف آثار تغير المناخ الموضوعة حاليا على حد سواء مع العمل على تعزيزها. ويجب أن تمنح البلدان الأولوية للاستراتيجيات الشاملة التي لا تقتصر على معالجة الأزمات المباشرة وإنما هي أيضا تعد للعواقب الأطول أجلا من تغير المناخ. ويجب أن يمنح صناع السياسات الأولوية للاستثمار في إجراءات "لا تبعث على الندم" مثل البنية التحتية والزراعة القادرتين على تحمل تغير المناخ، فضلا على إدارة مخاطر الكوارث، والحماية الاجتماعية.
إدارة المفاضلات
مع هذا، فإن خيارات السياسات غالبا ما تتطلب مفاضلات اقتصادية. وتخفيض دعم الوقود أو وضع سعر لانبعاثات الكربون، على سبيل المثال، يبشر بتحقيق مكاسب على المدى الطويل لكنه قد يرفع تكاليف التحول على المدى القصير نتيجة للتحولات الكبيرة في السلوك الاقتصادي.
وربما كان من الأسهل في الأجل القصير تعزيز الاستثمارات في الطاقة المتجددة من خلال زيادة الإنفاق الحكومي وتوفير الدعم – مثل تطوير أكبر محطة للطاقة الشمسية على مستوى العالم في المملكة العربية السعودية، بقيادة صندوق ثروتها السيادية. ومع هذا، سوف يجعل ذلك عملية تحول نظام الطاقة أعلى تكلفة بوجه عام، لأنه لن يحقق الكفاءة الاقتصادية التي تنتج عن تسعير الكربون. ولهذه الأسباب، ينبغي أن يتوصل صناع السياسات إلى مزيج السياسات الذي يوازن بين هذه المفاضلات.
وفي نهاية المطاف، فإن اتخاذ مزيد من الإجراءات يقتضي الحصول على مزيد من الدعم متعدد الأطراف. ويمكن أن يساعد ذلك في الحفز على اتخاذ إجراء حيث تكون الحاجة ماسة إلى ذلك، ونقل المعرفة الفنية القيمة وتبادل الخبرات في مجال السياسات، وتحفيز مصادر التمويل الأخرى لتلبية الاحتياجات التمويلية الكبيرة في المنطقة بغرض التكيف وتخفيف آثار تغير المناخ – وتكتسب كلها أهمية خاصة في البلدان منخفضة الدخل والبلدان في الشريحة الأدنى من فئة الدخل المتوسط.
وسوف يساعد تسهيل الصلابة والاستدامة في صندوق النقد الدولي على معالجة مواطن التعرض لصدمات تغير المناخ. ومن الأمثلة على ذلك في المنطقة برنامج مواجهة تغير المناخ في ظل "تسهيل الصلابة والاستدامة" مع المغرب بقيمة 1,3 مليار دولار.
غير أن حجم التحدي يعني أن المبادرات العالمية والإقليمية مثل مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP28) ستظل أداة فعالة في تعزيز التعاون عبر الحدود وتشجيع تمويل القطاع الخاص للعمل المناخي. وينبغي أن يشمل ذلك ضمان توفير مزيد من التمويل للعمل المناخي في أشد البلدان تعرضا للمخاطر.