(الصورة: /IMF PHOTO/Jeff Moore) (الصورة: /IMF PHOTO/Jeff Moore)

تأثير جائحة كورونا في الوقت الحقيقي: إيجاد التوازن في خضم الأزمة

بقلم: فرانشيسكو غريغولي وداميانو ساندري

أحد الدروس التي ستبقى معنا بعد انحسار جائحة كوفيد-19 هو أن أي تعافٍ اقتصادي يتوقف على حل الأزمة الصحية.

ويوضح بحثنا* الذي أجريناه في آخر عدد من تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" أن عمليات الإغلاق العام الحكومية – مع نجاحها في الهدف المقصود، وهو تخفيض عدد الإصابات – ساهمت إلى حد كبير في الركود وكان تأثيرها أكبر على الفئات الضعيفة، كالنساء والشباب. غير أن الركود كان يرجع في معظمه إلى إحجام الناس طوعا عن التفاعلات الاجتماعية خشية الإصابة بالفيروس. وبالتالي، فلا يرجح أن يؤدي إنهاء الإغلاق العام إلى تحقيق دفعة اقتصادية حاسمة ومستمرة إذا ظلت الإصابات مرتفعة، نظرا لأرجحية استمرار التباعد الاجتماعي الطوعي.

ولكن التحليل يخلص إلى إمكانية تحقيق التوازن بين حماية الصحة العامة والحيلولة دون استمرار الهبوط الاقتصادي لفترة مطولة. فالإغلاق العام ينطوي على تكاليف قصيرة الأجل لكنه قد يسرِّع التعافي الاقتصادي لأنه يخفض عدد الإصابات ومن ثم يحد من التباعد الاجتماعي الطوعي. وتعد دراسة الآثار متوسطة الأجل لعمليات الإغلاق العام وكذلك متانة النتائج التي خلصنا إليها مجالين مهمين للبحث في المستقبل مع تتابع تطورات الجائحة وتوافُر مزيد من البيانات.

الأزمة الاقتصادية والصحية بعدسة بيانات الوقت الحقيقي

نحلل الآثار الاقتصادية للإغلاق العام والتباعد الاجتماعي الطوعي باستخدام متغيرات عالية التواتر تعبر عن النشاط الاقتصادي، وهي بيانات التنقل المجتمعي من شركة غوغل والوظائف الخالية المنشورة على الموقع الإلكتروني “Indeed”. وكما يوضح الرسم البياني أدناه، فعلى مستوى العينة الكاملة المستخدمة في التحليل والتي تضم 128 بلدا، ساهم كل من الإغلاق العام والتباعد الاجتماعي الطوعي بالتساوي في انخفاض التنقلات أثناء الثلاثة أشهر الأولى من انتشار الوباء في كل بلد. وكانت مساهمة التباعد الاجتماعي الطوعي أكبر في الاقتصادات المتقدمة حيث يستطيع الناس العمل من المنزل بسهولة أكبر أو حتى تَحَمُّل تكلفة التوقف عن العمل اعتمادا على المدخرات الشخصية وإعانات التأمينات الاجتماعية. وعلى العكس من ذلك، الناس في البلدان منخفضة الدخل لا يتاح لهم في الغالب خيار التباعد الاجتماعي الطوعي لأنهم لا يملكون السعة المالية اللازمة لتحمل خسارة مؤقتة في الدخل. ويقدم تحليل البيانات المتعلقة بإعلانات الوظائف الشاغرة رؤى عميقة مماثلة توضح أن الإغلاقات العامة والتباعد الاجتماعي الطوعي ساهما بالكثير في هبوط الطلب على العمالة.

وينبغي أن تكون المساهمة الكبيرة للتباعد الاجتماعي الطوعي في الحد من التنقلات، وإعلانات الوظائف الشاغرة، بمثابة تحذير لصناع السياسات من مغبة إنهاء الإغلاق العام بينما الإصابات بالفيروس لا تزال مرتفعة، على أمل إعطاء دفعة لانطلاقة النشاط الاقتصادي. فمعالجة المخاطر الصحية تبدو هي الشرط الأساسي لتحقيق تعافٍ اقتصادي قوي ومستمر.

وفي هذا الصدد، يكشف التحليل أن الإغلاق العام يمكن أن يُحْدِث خفضا كبيرا في عدد الإصابات. وتصبح الآثار قوية بشكل خاص إذا طُبِّق هذا الإغلاق في مرحلة مبكرة من انتشار الوباء في البلد المعني. ويوضح الرسم البياني أدناه أن البلدان التي فرضت الإغلاق العام عندما كانت حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19 لا تزال قليلة حققت نتائج أفضل بكثير في مكافحة الوباء مقارنة بالبلدان التي بدأت التدخل بعد أن أصبح عدد الحالات مرتفعا بالفعل. ويوثِّق الفصل أيضا أن الإغلاق العام يجب أن يكون صارما بدرجة تكفي لكبح الإصابات، ومن ثم يشير إلى أن الإغلاق المحكم والقصير يمكن أن يكون خيارا أفضل من الإجراءات المخففة والمطولة.

كل من الإغلاق العام والتباعد الاجتماعي الطوعي يضعان قيدا على الحركة.
كل من الإغلاق العام والتباعد الاجتماعي الطوعي يضعان قيدا على الحركة.

وإزاء فعالية الإغلاق العام في تخفيض عدد الإصابات، إلى جانب نتيجة التحليل التي تفيد بأن الإصابات بالفيروس يمكن أن تلحق ضررا جسميا بالنشاط الاقتصادي بسبب التباعد الاجتماعي الطوعي، فهناك ما يدعو إلى إعادة النظر في المقولة السائدة بأن الإغلاق العام ينطوي على مفاضلة بين إنقاذ الأرواح ودعم الاقتصاد. فهذا التوصيف الذي يضع الأرواح في مقابل الأرزاق يغفِل أن إجراءات الإغلاق العام الفعالة التي تتخذ في مرحلة مبكرة من الوباء قد تكون أسرع في تحقيق التعافي الاقتصادي بما تؤدي إليه من احتواء الفيروس وتقليل التباعد الاجتماعي الطوعي. وهذه المكاسب متوسطة الأجل توازن تكاليف الإغلاق قصيرة الأجل، بل إنها قد تؤدي إلى آثار كلية إيجابية على الاقتصاد. ويستحق الأمر مزيدا من البحث في هذا الجانب المهم مع تتابع تطورات الأزمة وتوافُر المزيد من البيانات.

تأثير الإغلاق العام على الفئات الضعيفة

يساهم الفصل أيضا في تعزيز الأدلة المتنامية على أن الأزمة تترك آثارا أكبر على الفئات الأضعف. فالبيانات التي قدمتها شركة فودافون للاتصالات عن التنقل المجتمعي في إيطاليا والبرتغال وإسبانيا تشير إلى أن أوامر التزام المنزل وإغلاقات المدارس المصاحبة لها أدت إلى انخفاض تنقل النساء بدرجة أكبر من الرجال. ويرجع هذا الأثر في جانب كبير منه إلى العبء الأكبر الذي تتحمله النساء في رعاية الأطفال، وهو ما قد يمنعها من الذهاب للعمل، ومن ثم يهدد فرصها في التوظيف.

وتكشف بيانات فودافون أيضا أن الإغلاق العام غالبا ما يكون تأثيره أقوى على تنقل الشباب. فالرسم البياني أدناه يوضح أن أوامر التزام المنزل أدت إلى هبوط أكثر حدة في تنقلات من تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عاما وبين 25 و 44 عاما الذين غالبا ما يكون لديهم أطفال أصغر يتعهدونهم بالرعاية في فترة إغلاق المدارس وغالبا ما يكونون من العاملين بعقود مؤقتة يُرجح إنهاؤها عند وقوع الأزمات. وهذا التأثير الأكبر على هذه الفئات السكانية يحمل معه مخاطر زيادة عدم المساواة بين الأجيال.

تأثير غير متوازن بين الجنسين وبين الفئات العمرية
تأثير غير متوازن بين الجنسين وبين الفئات العمرية

ومن ثم فإن تدخل السياسات على نحو موجه – مثل زيادة إعانات البطالة ودعم الإجازات مدفوعة الأجر لأولياء الأمور – هو أمر مطلوب لحماية الفئات الأضعف لضمان ألا تؤدي الأزمة إلى توسع طويل الأمد في فجوة عدم المساواة.

*****

فرانشيسكو غريغولي يعمل اقتصاديا في قسم دراسات الاقتصاد العالمي التابع لإدارة البحوث في الصندوق، وسبق له العمل في إدارة شؤون المالية العامة وإدارة نصف الكرة الغربي كما كان باحثاً زائراً في جامعة كولومبيا. وتركز أبحاثه على السياسة الاقتصادية الكلية في الوقت الحقيقي ومدى فعاليتها، وديناميكية الاستهلاك والادخار، والتوقعات، وعدم اليقين، وعدم المساواة في توزيع الدخل، وكفاءة الإنفاق.

داميانو ساندري هو نائب رئيس قسم دراسات الاقتصاد العالمي التابع لإدارة البحوث في الصندوق، وكان في السابق اقتصاديا أول مختصا بالبرازيل، كما شارك في بعثات مختلفة أوفدها الصندوق إلى البلدان الأوروبية. وللسيد ساندري أبحاث منشورة في دوريات أكاديمية كبرى وفي العديد من مطبوعات الصندوق. وهو زميل باحث في مركز بحوث السياسة الاقتصادية (CEPR) ومحرر مشارك في دورية IMF Economic Review الصادرة عن الصندوق. وقد حصل السيد ساندري على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة جونز هوبكنز.

الات عن التنقل المجتمعي في إيطاليا والبرتغال وإسبانيا تشير إلى أن أوامر التزام المنزل وإغلاقات المدارس المصاحبة لها أدت إلى انخفاض تنقل النساء بدرجة أكبر من الرجال. ويرجع هذا الأثر في جانب كبير منه إلى العبء الأكبر الذي تتحمله النساء في رعاية الأطفال، وهو ما قد يمنعها من الذهاب للعمل، ومن ثم يهدد فرصها في التوظيف.

وتكشف بيانات فودافون أيضا أن الإغلاق العام غالبا ما يكون تأثيره أقوى على تنقل الشباب. فالرسم البياني أدناه يوضح أن أوامر التزام المنزل أدت إلى هبوط أكثر حدة في تنقلات من تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عاما وبين 25 و 44 عاما الذين غالبا ما يكون لديهم أطفال أصغر يتعهدونهم بالرعاية في فترة إغلاق المدارس وغالبا ما يكونون من العاملين بعقود مؤقتة يُرجح إنهاؤها عند وقوع الأزمات. وهذا التأثير الأكبر على هذه الفئات السكانية يحمل معه مخاطر زيادة عدم المساواة بين الأجيال.